اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 376
عند ملاقاتك وقل ان رجلا قد سجن بلا جرم صدر عنه أوصاه به رجاء ان يستخلصه ويستكشف عن امره ولم يستثن مع ان المناسب بحاله ورتبته العلية الاتكال على الله والتبتل والتفويض والتسليم بلا التفات الى الغير أصلا والرضاء بما جرى عليه من القضاء والتصبر على هجوم البلاء وتزاحم العناء فضلا عن ان يستمد بلا استثناء وذلك في صغر سنه وعنفوان شبابه وقبل نزول الوحى عليه وقبل عروجه الى معراج استعداده وقابليته وبالجملة فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ للناجى ذِكْرَ رَبِّهِ اى ذكر يوسف وحكاية حاله عند الملك حين جلس في مجلسه وسقى له خمرا فَلَبِثَ وبقي يوسف عليه السّلام بسبب ترك الاستثناء وطمع الإعانة والاستخلاص من المصنوع الأرذل الأنزل وطلب الاستعانة منه فِي السِّجْنِ بعد ما قد لبث فيه خمسا بِضْعَ سِنِينَ اى سبعا بعد الخمس مجازاة عليه وانتقاما عنه كما قال نبينا صلّى الله عليه وسلّم رحم الله أخي يوسف لو لم يقل اذكرني عند ربك لما لبث في السجن سبعا بعد الخمس
وَبعد ما لبث في السجن بضعا قد هيأ سبحانه لخلاصه سببا بعد ما ادّبه بترك الاستثناء بان قالَ الْمَلِكُ وهو ريان بن الوليد لأصحابه يوما من الأيام إِنِّي أَرى في المنام سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَايضا أرى سَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَسبعا أُخَرَ يابِساتٍ قد التففن وتعلقن على السبع الخضر فغلبن عليها فجمع من في ملكه من اهل التنجيم والتكهين وجميع العلماء والصلحاء وعرضها عليهم وقال يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ وعبروها لي واوّلوها على إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ اى ان كنتم من اهل التعبير والعبور والعبرة والاعتبار فلما سمعوا قوله وتأملوا في رؤياه
قالُوا بأجمعهم متفقين ما هذه الا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وأباطيل قد صورتها القوة المتخيلة وخلطتها تخليطا بحيث لا تقبل التعبير والتأويل أصلا وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ الباطلة بِعالِمِينَ معبرين مأولين
وَبعد ما عجز الملأ عن تعبير رؤيا الملك واجمعوا على انها أضغاث احلام قالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما اى من صاحبي السجن وهو الشرابي الموصى له بالذكر فنسي وَادَّكَرَ تذكر بهذا التعبير وما اوصى له يوسف عليه السّلام لكن بَعْدَ أُمَّةٍ ومدة مديدة من الزمان أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ الى السجن فأرسله الملك ودخل عليه
فقال يا يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ الصدوق الصادق سيما في تأويل الرؤيا أَفْتِنا وعبر لنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ ملتفة الى سبع أخر وَأُخَرَ يابِساتٍ عبر لي هذه الرؤيا لَعَلِّي أَرْجِعُ بتأويلها إِلَى النَّاسِ الذين هم قد عجزوا عن تعبيرها وصيروها من الأباطيل والتخليطات الساقطة عن التعبير والتأويل لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ تأويله ويفحمون عما يقولون ان هذه الرؤيا للملك وهم قد جعلوها من قبيل الأضغاث وأنت إذا عبرتها أرجو ان تتخلص من هذا السجن
قالَ يوسف مأولا للرؤيا مدبرا فيه طريق المعاش لئلا يضطروا في تدبيره أنتم تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً على ما هو دأبكم وعادتكم فَما حَصَدْتُمْ وحصلتم منها في تلك المدة فَذَرُوهُ واتركوه فِي سُنْبُلِهِ يعنى عليكم ان تدخروا ما حصدتم في سنى الخصب بان تتركوه في سنبله ولا تفرقوه منه ولا تدوسوه لئلا يقع فيه السوس إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ في تلك المدة
ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ اى بعد انقراض سنى الخصب والرخاء سَبْعٌ شِدادٌ وذوات جدب وعناء بحيث لا ينبت فيها الزرع وتلك المدد يَأْكُلْنَ اى أهلها من ما قَدَّمْتُمْ وادخرتم لَهُنَّ في سنى الخصب إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ اى تحرزونه وتحفظونه للبذر والزرع
اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 376